09 - 05 - 2025

عاصفة بوح| لماذا لا يصدقونكم ؟؟؟

عاصفة بوح| لماذا لا يصدقونكم ؟؟؟

أخطر شيء تمر به أى أمة أن يفقد الناس الثقة فى قدرة المسؤلين على إدارة شئون البلاد أو الشك فى مصداقية انحيازهم إلى الحق والاستناد إلى القانون والدستور، أو أن يتسلل الشك إلى يقين مفترض وجوده بأن الدولة تحارب الفساد، ولا تحارب من يقف للفساد بالمرصاد، دفاعا عن حقوق الشعب ونصيبهم من ثرواته. 

الذي جعلني أخاف بشدة وتصيبني الصدمة، رد فعل رواد الفيس البوك على ما أسند إلى رئيس هيئة  الجمارك من اتهام بالرشوة فى قضية تمرير أقمشة، وهو الذى أفشل قبلها بأسابيع تمرير شحنة مخدرات كان فى مقدوره أن يتكسب منها لو أدار وجهه الملايين، ووجدنا من يصدق أن الرجل لأنه شريف، كما يشير تاريخه ورأى زملائه ومرؤوسيه ، فقد تم تلفيق قضية لعقابه على شرفه ونزاهته! 

هنا كانت المعضلة.. لماذا يصدق الناس أن المسؤول الشريف يحارب، وأن المدافعين عن الفساد سيترصدونه ويجدون من يعينهم على إيذائه وطرده من منصبه، لأنهم الأقوى والأكثر تمكنا ويجدون من يحمونهم من رجال النظام القديم الذى اقتات على الفساد حتى التخمة!

لماذا صدق الكثيرون أنه لامكان للشرفاء وسط منظومة فساد، هيمنت وتأسدت ووجدت من القوانين ما يحمى ظهرها، ووجدوا في القانون منفذا وثغرة يمرون منها بحكم قانون مثل قانون التصالح الشهير (الذي يتيح إفلات سارق المال العام بجريمته اذا رد المسروقات، أما من لم يكشف أمره بعد، فعليه أن يهنأ إلى حين تبدل الأحوال).

نحن لاننكر أن الجهات الرقابية تقوم بعملها على قدم و ساق، وخاصة الرقابة الادارية الذى ذاع صيتها فى اصطياد من لم تقدر عليهم الأجهزة الأخرى، ولكن ربما تاريخ نظام مبارك الذى تم تبرئته بالكامل رغم تاريخ الأشخاص الأسود فى سرقة موارد البلاد بالكامل، وبتزواج أهل المال والسلطة حتى أن مبارك لم يدن إلا فى قضية (خايبة) وهى القصور الرئاسية، مما ألقى بظلاله على ثقة الناس فى تحقيق القصاص من الذين جرفوا البلاد وأشاعوا الظلم، مما كان السبب الرئيسى فى ثورة 25 يناير!

 كما أننا لاننكر أن عودة كثير من رجال نظام مبارك إلى الأضواء مرة اخرى، وربما المناصب، أصاب الناس بصدمة، فكيف تعود عقارب الساعة الى الوراء، بل إن ماسورة القوانين التى ما انفكت تنفجر فى وجوهنا والتى تم اصدراها فى الشهورالسابقة، أعادت إلى الأذهان قوانين مبارك إياها، ولا مجال لتحديدها الآن، لأن قانون الصحافة الذى تم اقراره مؤخرا، بمواده الفضاضة القادرة على حسب الهوى ان تطيح بما لايسير على هواها إلى معتقل المغول، يخيفنى، بما أنه ينزع عن الصحفيين أى  صفة تخص المهنة ويحولها الى نشرة هيئة الاستعلامات منزوعة النكهة لاعتبارات، وعلى رأى واحد لاعتبارات سياسية، تترفع عنها بالضرورة مهنة الصحافة الحقيقية، والتى لا تعرف إلا الحقيقة ومصالح الشعوب، تجعلنى اختار عباراتى بدقة شديدة، حتى لا اجد نفسى ملقاة فى غياهب السجون وأترك لسنوت فى حبس احتياطى لا ينتهى ويعتبر عقوبة سرية فوق العقوبة القانونية، مثل الكثيرين الذين نطلب لهم الحرية فى محاكمة عادلة أمام قاضيهم الطبيعى وهو أحد مطالب حقوق الإنسان الأساسية فى جميع أنحاء العالم، وما نحن فى تلك الأيام إلا استثناء مع بعض أنظمة وحكومات نربأ بمصر أن تتشبه بها، حاشا لله!

المشكلة الآن أنه ينتشر بين الناس شعور بأننا أصبحنا نعامل من الحكومة على أننا فاقدي الأهلية، لا يؤخذ رأينا فى شيء، بعدما تم تهجين الجهات التشريعية والرقابية بحيث لم تعد تعبر عن الشعب، بقدر ماتعبر عن أمانى وأحلام الجهات التنفيذية وحتى أوامرها ومطالبها. 

لا أؤاخذ الجهات السيادية على سعيها إلى تحقيق أهدافها التى ترى وأتصور أنها مؤمنة فعلا أنها تصب فى  مصلحة المواطنين، إنما اؤاخذ الجهات الاخرى التى لم تسع إلى القيام بدورها الرقابى والتشريعى وتحقق التوازن بينهما، أوعلى الأقل أن تقوم بدورها على سطر وتترك سطرا، أما الانقياد بالكامل، فهو بالقطع لايصب فى مصلحة أحد، حتى الجهات إياها، لأنه يؤدى إلى تراكم غضب مكتوم  قد ينفجر فى وجوهنا غدا مما لن يصب بالتاكيد فى مصلحة أحد، فى ظل ظروفنا الاقتصادية الظالمة والمتردية، والتى تدفع ثمنها الطبقة المتوسطة والفقيرة وحدهما، بينما يتم تعويض طبقات أخرى يرون أنها الأولى بالرعاية!

فهل شعر المسؤولون - وأتصور أن لهم أجهزة تقيس اتجاهات الرأى العام حتى لو لم تاخذه فى الاعتبار- بشك الكثيرين فى أن المسؤول الشريف قد يعاقب إذا كشف المستور، ولهم  فى المستشار هشام جنينة أسوة حسنة، أوهكذا يتخيلون، ومن ثم صدق الكثيرون أيضا أن رئيس هيئة الجمارك ربما لفقت له التهمة حتى يتعلم من يلحقونه درسا من رأس الذنب الطائر!

إلى أن تظهر الحقيقة، وكلنا نتمنى أن تظهر، أهيب بالأجهزة المعنية أن تسمع أنين الشعب وتلتفت إلى معاناته فى حياته ورأيه فى أداء الحكومة من باب العلم بالشيء على الأقل

نحن نعلم أنهم يعرفون مصلحتنا أكثر منا، (فهم بابا وماما وأنور وجدى كمان)!! ولكنه الحذر الحكيم والخوف من مستقبل تحدده اختيارات اليوم. فسفينة نوح لن تنقذ أحدا فى عصرنا هذا.
 __________
بقلم: وفاء الشيشيني

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح | علمتني غزة